صحافة

                                                  

الجمعة، 19 دجنبر 2008

فتنة الهامشي وغواية أشيائه

فتنة الهامشي وغواية أشيائه
(عندما يبكي الرجال) لوفاء مليح نموذجا
د : محمد صولة
استهلال :
إن الكتابة السردية النسائية هي في الأصل تسمية نشاز، ذلك أن الوعي بها يقتضي الوقوف على الخصوصيات الذاتية للموضوع ، لأن استراتيجية التداول هنا تقتصر على الإلمام بكل عناصر الحكي المرتبطة بالخصيصة الجسد ية ، إذ أن العلاقة التي تجمع بين المرأة ومصطلح " النسائية " كآلية تفتيتية لثيمة المرأة تختزل البعد الإنساني في كلا الحالتين ، وهكذا تبدو ظاهرة الكتابة النسائية متمحورة حول الذات وشرنقاتها ، ومرتبطة بكل تفاصيل جسد المرأة وهي تشعر بالخيبة والإضطهاد اللذين يجعلانها تفتقد إلى شروط الحياة ، ومن هذا المنظور تتبأر رؤية القمع المنبنية أساسا على المحظور والمحرم والممنوع ، وبالتالي تدفع بالإرتكاز على إعمال اللاشعور لإعادة فهم الواقع وكل ما يحيط به ، لذلك فالكتابة السردية النسائية استطاعت أن تسائل مجهول الذات ، باعتبارها عنصرا مهما في قراءة الصورة التي تحملها المرأة عن نفسها وليس العكس ، ولعل هذا ما يبرر الحفر الأركيولوجي العميق والبحث في أنثروبولوجية الكينونة الأنثوية ، بحيث إنها تستعيد بدئيتها من خلال ما قدمه التاريخ الذكوري المتسلط عليها ، وماأرغمها على الإمتثال إلى نمطية عقيمة استفحلت في ظل الفساد المستشري في عالم الرجل الباطريركي ، والخاضعة إلى قبم لآ تستأثر بالقضية معنويا ، بل رمزيا ، الشيء الذي يجعلها تعلي من شأن التواجد النسائي وتبوئه المكانة اللائقة به .
1 – المحكي الروائي والإستراتيجية السردية :
وتقترح علينا الكاتبة المغربية وفاء مليح عملها الروائي الموسوم بالعنوان التالي : عندما يبكي الرجال 1، الصادر عن مؤسسة دار افرقيا الشرق – المغرب ، 2008 ، من خلال هذا التوجه الذي أشرنا إليه سابقا ، فالرواية تنبني على محكي بسيط يختزل العلاقة بين ( فاتن ) و(أحمد ) ، وهي غير متكافئة ، لأن فاتن تحاول ترجمة حياة الضياع والتشرذم والإحتجاج والعطالة المميتة والمملة ، عارضة أزمتها الوجودية بكامل الحرية أمام ذاتها أولا ، ثم ناقلة إياها إلى متلق عادي ثانيا ، تقول الكاتبة رشيدة بنمسعود :" إن رواية "عندما يبكي الرجال " للكاتبة وفاء مليح ، تلتقط تجربة الاعتقال والحرية عبر توظيف مدونة المذكرات ودينامية التذكر ، حيث يطالعنا صوت الراوي / الآخر مع افتتاح الرواية كصوت محايد يوجد بين منزلتين ، لا هو بالمذكر ولا هو بالمؤنث ، بل مجرد كائن وسيط يتوحد مع الآخر ويختلف عنه في نفس الآن ، حيث يتداخل صوت السارد ( فاتن ) والمسرود عنه ( أحمد ) عبر مسار حكائي تتحرك الكاتبة من خلاله وتتحكم في وقائعه السردية ، وتتحول هذه العلاقة الحوارية على لعبة مرآوية عبرها يتجه "أحمد" أحد شخوص الرواية إلى المتلقي من خلال الشخصية / الوسيط (فاتن ) أثناء قراءتها لمذكرات أحمد ، فتنعكس بذلك مستويات التداخل والتباعد بين فاتن وأحمد متجاوزة بذلك التقسيم الجنسي التقليدي بين المذكر والمؤنث 2، وإذا كانت الرواية تطرح إشكال اندحار الشخصية أمام متغيرات المرحلة ، وذلك بتجسيد العنف المادي والرمزي الذي يكتنفها داخليا وخارجيا ، فإنها تسعى إلى إبراز العيوب والمثالب والإرتكاسات التي يعج بها الواقع ، فالتعدد بين الفشل والنجاح ، بين الإحباط والأمل ،يؤجج لواعج الطموح إلى تحقيق المبتغى ، لأن الساردة وهي تبحث عن نصفها الآخر، تجد نفسها مرغمة على تبني مقاومة دونكشوطية ، تطرح الأسئلة الكبرى دون أجوبة ، تفتح جبهات بلا مناصرين ، غير أن ما تختزنه الذات يعد من أعمق التجارب الإنسانية التي هي ملتصقة بالتحولات والمعاناة وصروف الزمن ، وفي هذا السياق تكون الساردة شخصية متمردة على أشكال النموذج والتقاليد ، غيرمهتمة بما يلفها من صور الماضي والذكريات المرة ، في حين يبقى الآخرمخيفا وبشعا إلى أقصى الحدود ، لكنه فاقد للمصداقية والحيوية ، " فشخصية " أحمد " الذي تقدمه الرواية كفاعل سياسي وناشط جمعوي وأستاذ جامعي يعطي لمعنى الجنسية والإصابة بالعجز الجنسي دلالة عن غياب الفاعلية والخصوبة المنتجة والعطاء المؤثر" 3 ، أو حينما تتلفظ الساردة قائلة : " أدرك أنني في هذه الفترة أعيش بلادة في الإحساس ، لفحتني ريح الهزيمة واليتم . الخراب في نفسي كثيف منذ أن حصلت على شهادة الإجازة في القانون وأصبحت بعدها أطرق الأبواب بحثا عن العمل ، يتحرش بي هذا ويطردني ذاك . أبكي . أستجدي . أفتح الأبواب فلا أجد سوى هسهسة الريح وفراغ قاتل ينهك أعصابي . يعصف بآمالي . يعطل حواسي . أربع سنوات وأنا أركض وراء سراب إسمه عمل قار .انضاف على قائمة المعطلين الطويلة . سنوات أربع وأنا أطرق الأبواب حتى أصبحت أطرق رأسي لأمنعه من الجنون والخبل . كيف لا وقد فقدت ثقتي بنفسي وتوازني الداخلي ..... " 4 ، لقد استطاعت الكاتبة وفاء مليح أن تبني استراتيجية على أحداث متداخلة ومتناقضة في الآن نفسه ، منطلقة من مكان محدد طوبوغرافيا ودلاليا ، ومتخذة من الشخوص صورا ذات أبعاد إنسانية ، منها ما هو مصرح به ومنها ما هو مضمر ، لهذا فالمحكي الروائي لايظهر في بساطته التعبيرية ، بقدر ما يغوص في أعماق التجربة المتلاحمة بالواقع، والمستفزة له ، والمستعيدة من خلاله توازنه وإيقاعه ، ذلك أن البنيات الدالة في الرواية أفرزت لنا ثيمات متعددة لعل من أهمها الإقصاء والتهميش والعطالة والعزلة والتحرش والظلم والإستعباد والخيبة ، كل هذه العناصر ، مهما اختلفت أشكال خطاباتها ، تؤشر على معنى واحد هو عجز الفرد في مجتمع مخاتل ومتخاذل ، لايملك سلطة ذاته إلا بالإحتمال والنسبية والوهم .
2 – صورة الهامشي من خلال دلالة الأشياء :
يمكن القول إن الرواية العربية عامة قد ساهمت في هذا المنحى بالقدر الكافي ، إلا أن الكتابة السردية النسائية المغربية في خصوصيتها ، اهتمت بهذا الطرح وتناولته من منظورات متباينة ، ونلخظ ذلك عند كل من عائشة موقيظ وزهرة رميج وخديجة مروازي وزوليخة موساوي الأخضري ووفاء مليح وفاطنة البيه ونجاة السرار ومليكة صراري وزهور كرام وربيعة ريحان ....إلخ ، بحيث إن الهامشي كما تعيه الكاتبة يصبح هومنطلق الرواية بامتياز ، إذ أن توظيفه يضاعف من تعبيرية الخطاب المحكي ، ويقوي من تلاحم عناصر اللغة وإيحائيتها ، تقول زوليخة موساوي الأنصاري : " جسد النساء ، قنطرة العبور إلى كل شيء وإلى اللاشيء " 6 ، أو عندما تقول أيضا : " الكتابة تمثل لي أشياء كثيرة رغم انشغالي عنها أحسها تصطخب داخلي واليوم أكثر من أي وقت مضى أشعر بها جزءا مني "7 ، هذه الرؤية للكتابة تؤول العلاقة التي تجمع بين الذات والواقع ، وتفجر اللامفكر فيه ، لأن المراة كهامش يحقق اللذة في جسد الكتابة ، هو منذور للسعادة والألم ، هكذا تبرز إشارات مفصلية تلقح هذا البعد وتذكيه ، إنها جراحات الذات وهي تبحث عن كينونتها ، وعن وجديتها ، لذا فهي تنطلق من الأنا الداخلية وتسرح في تمظهراتها الخارجية ، كاتمة إحساسها تارة ، وأخرى مفجرة له ، ومع ذلك ، ورغم بطش التحولات والتقلبات التي تعيشها الساردة نجدها تنشد إلى المستقبل وتستشرفه ، تقول :" لكن شيئا بداخلي يدفعني إلى الصمود . إلى البقاء . إلى قهر الفشل . رغم نوبات الحزن واليأس التي تغلف الأعماق . أنهض بعدها من تحت الرماد كطائر الفينيق .أستعيد لحظات التألق التي عشتها أيام الدراسة . أقول لنفسي سأدق مسمارا في نعش من يقتات على امتصاص دماء شعب أصبح كل همه هو توفير لقمة الخبز اليومي " 7 ، وبذلك فالصورة التي تنقلها لنا لاتحصرها في ذاتها فقط ، بل تتعداها إلى المحيط ، الشيء الذي يؤكد حرارة الإختلاف بين الشعورواللاشعور .
إن الهامشي في الرواية المغربية يستدعي كل ممكنات الرفض والإقصاء ، وعدم الرضوخ إلى عالم الأسوياء ، باعتباره مجرد فضاء مهمل وغير منفتح على باقي الفضاءات الأخرى ، لاسيما أنه قابل للتحول في ما يجعله أشد انطوائية بالنسبة للشخوص ، وأحد انغلاقا بخصوص الأمكنة والأحياز ، هذه العلاقة بين الشخوص والأمكنة تسترجع من خلالها الساردة صور الماضي الذي يكبلها بعنفه ، ويدفعها إلى محاولة تجاوزه ، لكنها لا تقدر على المواجهة ، تقول : " أهيم على وجهي في غياهب الذكريات والتذكر . تقودني قدماي عبر شوارع هذه المدينة . أجول في الفضاءات . أحس بحرارة ودفء كما الجنين في رحم أمه . هي ذي مدينتي إذن ، مدينة البحر والحب والحزن والأحلام المنكسرة " 8 ، وسواء تمثلت الساردة تقاطع العلاقة أو استعادت رمزيتها ، فإنها تستحضرها في تأملها التلقائي للزمن ولخصوصيته ، هكذا نلفيها تتحدث عن ما يشدها إلى التاريخ من منظور استرجاعي ، تقول : " أريج عبق التاريخ يند إلى أنفي وذاكرتي . يضمخ الجو . أتجول بين فضاءات ذاكرتي . فضاء . فضاء . ترافقني ذكراه . أحسه بجانبي يمسك بيدي وكل ركن نزوره يسرد تاريخه . بت أعرف تاريخ تأسيسها حجرة . حجرة . وتاريخ ساكنيها . يحكي الحكاية . أتامله وأجده قد طوى الأزمنة ودخل في قمقم الذاكرة . تنسكب الكلمات والجمل من شدقيه شلالا ينزل على روحي في إيقاع يهدهدها . يسرد بتلقائية الوقائع والأحداث . يلون الأشياء والأشخاص . فيربطني سحر كلماته وبديع صوره بعوالمه التاريخية . يذكي جذوة التواصل وينسج وشائج تسري وتستقر في الأعماق " 9 ، ومن هنا يبدو كيف أن الهامشي بإمكانه أن يصوغ خطابا اختلافيا ، ويحمل قيما في مجملها تصحح أخرى تتمظهر بالزيف والإلتباس .
يتبدى الشيء كمقابل للهامشي في رواية وفاء مليح ، لأن هذا المكون ( الشيء ) هو في الوعي العربي إما منظورا أو محسوسا أوشعورا أو هدفا أو سلوكا أوقيمة ، ويختزله البعض في ما هو مادي أو معنوي10 ، إذ نجده متعددا ومتلاشيا ، مرة هو جسد مادي لأنثى ومدينة وعالم ، ومرة يستدرج تفاصيل العناصر المكونة للمعنى في بعده الرمزي ، لذلك نجد المؤشرات الدالة على هذا تخضع إلى توصيف للزمان وللمكان وللأحداث ولكل ما يخص الشخصيات المتحركة في الفضاء النصي وخارجه ، كقصبة الأوداية : أبوابها، أقواسها ، ساكنتها ، حركتها ، أطفالها ، منشآتها ، ممراتها ، حدائقها ، أحجارها ،أحلامها ، وبذلك " ينقلب الشيء في الرواية المغربية من مجرد دلالته على تسمية إلى عنصر مهم في تحديد الصورة " 11 ، وبالتالي يؤجج الصراع بين الذات كبنية ذهنية حمالة لأسئلة وجودية واجتماعية وسياسية ، والموضوع كجسد تنتهك حرماته وتنكشف عيوبه ومثالبه للعيان ، ثم يصبح كائنا معتوها أخرس لايقدر على التفكير أو التعبير ، " أهرب من كل امراة أرى في عينيها رغبة واشتهاء . أدفن رغبتي وأركض بعيدة . بعيدا عن كل مرآة أرى فيها عجزه . لم أعد أحتمل رؤية جسدي عارية . لم أعد أحس جسده . كل أعضائه لم تعد جزءا منه ....لكن في لحظات الجنون المنفلت أقف أمام مرآة الحمام . أمسح زجاج المرآة جيدا . وحدي في الحمام . أرقب بهدوء عري جسده . صمت مطبق خيم على أجواء نفسه . أحدق طويلا في المرآة فأجد مرآة شفافة لا تعكس إلا الفراش . أقترب منها تتبدى مناطق جسده . تأملت جسدي في المرآة بمرارة عضوه .عضوه . أي نعم هذا جسد رجل . لكن أين رجولته أمام عجزه ؟؟ "12 ، وبهذا تكون العلاقة بين الهامشي وأشيائه تشكل بلاغة مميزة كخطاب مدعوم بوفرة متناقضات الواقع وإكراهاته .
3 – شعرية الخطاب الروائي :
تتعدد الكتابة السردية النسائية في متنها الحكائي ، فمن الرواية إلى القصة ، إلى المذكرات والأوراق المفتوحة ، وهكذا بتنا نلاحظ أنماطا إبداعية ثرة ، لا تقف عند حدود معينة ، لكن ما يسترعي الإنتباه في هذا النمط التعبيري هو الصوغ الخطابي السردي ، لذلك تأتي هذه الكتابة ممهورة بخصوصية النفس الأنثوي ، ومخلصة له إلى أقصى الحدود ، ومستعينة بخطابات موازية له قصد الإقناع ، خاصة عندما تتمثل النصوص الشعرية الفصيحة والزجلية ، والإشارات التهكمية والإنتقادية للمجتمع والدولة ، وبالفعل ، ف " إن رواية " عندما يبكي الرجال " لوفاء مليح ترتفع بنا عن سوداوية الواقع وانكساراته القاتمة بتوظيف اللغة الغنائية الشفافة التي تمارس نوعا من الغواية التي تستدرج القارئ وتستميله منوعة بين النصوص الشعرية من قصائد نزار قباني ، والأمثال الشعبية وتوظيف الأغاني الحماسية التي اشتهرت مع مجموعة ناس الغيوان القريبة من أفق انتظارات الشخصية الملتزمة في الرواية " 13 ، ويمكننا أن نجد الإحساس بالممارسات السلبية اتجاه المرأة ، فالخطاب الذكوري الذي تستحضره الساردة في الرواية يظهرمدى تعفن هذه العلاقة ، تقول الساردة :" أنا تزوجته ولم أتزوج شعره . لم يعد لي طاقة على الإحتمال . كل الطاقات أهدرت في انتظاروهم رجل لن يأتي . رجل مشغول بأشياء لاعلاقة لها بي ولا بأولاده . تائه عن العالم . وجدتني زوجة في عين المجتمع . وأنا لست إلا أما لأطفال أصبحوا أيتاما ووالدهم على قيد الحياة " 14، لكن أين تتجلى شعرية الخطاب الروائي في هذا النص ؟ وما هي خصوصياتها ؟
إن مجرد إلقاء نظرة أولى على الرواية ، نشعر وكأننا بصدد قراءة أوتو بيو غرافية لكاتبة ما ، تعقد من خلال بداية النص الروائي ميثاقا ذاتيا ، يحيل على أنا الكاتبة ، تقول في تداخل بين الأنا الساردة والأنا الكاتبة :" قصيدة كان دائما يرددها في لقاءاتنا . ليتني جعلت المسافة بيني وبينه عصرا ....." 15 ، فمن هذا الصوغ تحضر في الرواية بأكملها ، إذا أردنا ، صورة المؤلفة ، بحيث إن الإستهداء باللغة الشاعرة يعد من إيجابيات الرواية ، خاصة وهي تنقل لنا تفاصيل الزمن والتاريخ والإحتجاج والخيبات والطموح ، كل هذه التعددية تخلق خطابا متنوعا ومملوءا بالأسئلة المفتوحة على الذات وهي تعيد انتساج العالم وموجوداته ، إذ تتناص نصوص لدعم شعور الكاتبة ، وتدفعها إلى بناء وعي جمعي يتجاوز النزعة الذاتوية ، التي تغلب الفردانية في بعض الروايات المغربية خاصة والعربية عامة ، مما يجعلها لا تقف عند معجم الكلمات فحسب ، بل تتعداه إلى دلالات انزياحاته ومستويات تلقيه ، وهكذا تستثمر وفاء مليح أصواتا تتصادى مع ذاتها ، كإبن عربي المتصوف ( يحسبونك جرما صغيرا . وفيك انطوى العالم الأكبر) 16 ، وهي تحاول مواجهة عجز الرجل ومخاتلته لها ، أواستعادتها لأغنية المرحوم إسماعيل أحمد "خفة الرجل "17 ، التي تكرس وعي الرجل إزاء المرأة ، وهو يعاملها من خلال " تناقضاته . غموضه . وضوحه . ثورته . هدوئه " 18 ، بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقا ، كنص الصينية لناس الغيوان 19 ، أو إشارتها إلى رواية إرنست همنغواي "العجوز والبحر" 20 ، و كتاب " الحداثة والسياسة " 21 ،فكل هذه التناصات تجبر الروائية على البو ح بما تحس به في علاقاتها مع الرجل ، وبالتالي تنسجم مع إيقاع وضعيتها المتذبذبة والمترجحة بين النجاح والفشل ،وهذ التناغم لا يبرز في شعرية الملفوظ فقط ، بل في العنوان كعتبة تنطلق منها لتسكب حرارة ارتباطها بهذا الكائن الذكوري ، تقول : " ليست المرأة وحدها تبكي . البكاء يعني الرجل ايضا .كنت فيما مضى انزع إلى السخرية والتهكم في مواقف تدعو إلى البكاء وأقول في نفسي كما علمتني أمي . الرجال لايبكون . لكني في حالتي هاته أبكي بحرقة الرجولة الضائعة .لو يعلم النساء أن بكاء الرجال أشد ألما لتوقفن عن بكائهن "22 ، وبذلك تزداد قناعة الروائية وهي تمزج بين السرد الروائي والأوتوبيوغرافي مستعرضة صورة المرأة ضمن خطاب ذاتي حافل الصراع الداخلي ، والمفتوح على مواضيع تتناسل فيها أسئلة لانهائية تهم الوطن والهوية والثقافة والتعليم والدين والجنس والمرأة والإحتجاج والدعارة ، هكذا تكون هذه الرواية تسعى إلى طرح تآلف خطاب يظهر علنا أنه متجانس ، لكنه في العمق يخفي تناقضه بخصوص وعيه للواقع وتمثلاته . إنه وعي مشروخ وموهوم ، وصادم ومصدوم خاصة عندما يقع بين المابين ، أو إن شئنا بين الرفض والقبول .
خاتمة :
أردنا في هذه الدراسة أن نبين أن الكتابة السردية النسائية المغربية تنحو مناح متعددة ، فهي إلى جانب تركيبتها الذاتية الحاصلة في الخطاب واللغة والصور والفضاءات ، تحاول أن تشيد بناءها المخصوص ، لذلك نلاحظ أنها تخلق لنفسها ، وبوسائلها الخاصة ، متعتها وتشويقها، وهذا يعود إلى أن عالم الكتابة لاينحصر على الرجل فقط ، وإنما ينفتح على عوالم المرأة وسر ارتباطها بالحكاية .

الهوامش :
1 – وفاء مليح . عندما يبكي الرجال . إفريقيا الشرق .الطبعة الأولى . 2007 .
2–3 - رشيدة بنمسعود ." عندما يبكي الرجال " بين الإنكسار والأمل . ملحق الإتحاد الإشتراكي ( فكر وإبداع ) 5/ 12/2008 . العدد 9041ةأةأااىة . الصفحة 3 .
4 – وفاء مليح . عندما يبكي الرجال . مرجع سابق .ص 13 .
5– زوليخة موساوي الأخضري . الحب في زمن الشظايا .المطبعة السريعة . الطبعة الأولى 2006 . الصفحة 58 .
6– المرجع نفسه . ص ص .105 -106 .
7- 8 – وفاء مليح .عندما يبكي الرجال .م س . 14 .
9 – نفسه .ص ص .17 – 18 .
10 – يمكن العودة إلى معجم Micro Robert للتوسع أكثر ، وإلى المعجم الفرنسي Larousse .
11 – محمد التعمرتي . دلالة الأشياء في الرواية المغربية . فكر ونقد . السنة السادسة . عدد 53 - 2003 . الصفحة 105 .
12 – وفاء مليح . عندما يبكي الرجال . م س . ص82 .
13- رسيدة بنمسعود ."عندما يبكي الرجال" بين الإنكسار والأمل .م س . ص 3 .
14- وفاء مليح . عندما يبكي الرجال . م س. ص104 .
15- نفسه . ص 5 .
16- نفسه . ص64 .
17 -18 – نفسه . ص66 .
19 – نفسه . ص ص 69 -70 .
20 – نفسه . ص 112 .
21 – نفسه . ص 120 .
22 – نفسه . ص 100 .

الثلاثاء، 2 دجنبر 2008

إتحاد كتاب المغرب

إتحاد كتاب المغرب
محمد صولة
Sawla.mohamed@hotmail.com

ليس من الضروري أن يتكلم المرء على سلبيات المؤتمر الوطني السابع عشر لإتحاد كتاب المغرب هكذا ، بل لابد أن ينطلق من معطيات النقاش الذي يدور بين المثقفين الذين ينتمون إليه ، إذ أن الهامش وحده يمكنه أن يختزل صورة الإتحاد العامة ، وإذا كان جل المتدخلين قد حاولوا أن يبرروا أزمة الإتحاد من خلال انتقادهم له من مستويات ذاتية ، كالسفريات والإستفادة من المشاركة في الأنشطة التي يقوم بها ذاخل الوطن أو خارجه ، والطبع والنشر ....إلخ ، فإن الأهم هوالأسئلة التي بقيت مغيبة طيلة المؤتمر ، ولم تناقش بعمق ، والحقيقة ان الأغلبية ترى في الإتحاد تلك الصورة التي تخبئ الكثير، أو الشجرة التي تختزل الغابة ، وبالتالي أن كل طرف بات يرتبط بأسئلته لاغير ، في حين بقي البعض الآخر في برجه العاجي ينتظر دوره في مكان ما خارج الإتحاد ، فما سبب حضور الجيل الجديد بكثافة دون أن تكون له الكلمة الفصل في تحديد مسار حديث ومقنع ؟ هل هذا الحضور هو مجرد أوراق للتصوت فقط أم أنه تأثيث للفضاء الرمزي للإتحاد ؟
إن الواقع كما يبدو ليس هو هذا فحسب ، بل هناك إحساس بفقدان الثقة في الإتحاد ، وعدم فعاليته ، وانغلاقيته على نفسه ، وارتباطه بأسماء دون غيرها ، وغموضه في بعض المواقف وتكتمه على المشروع الثقافي العام والخاص ، هذه معطيات يمكن للأي مؤتمر أن يحس بها وهو يعيش هذا المؤتمر ويقيسه بالمؤتمرات الأخرى ، لكن مهما كان الأمر فالمثقف عليه أن يكون عضويا ( بتعبير غرامشي ) ملتزما بقضايا عصره وبهموم الناس ، وليس بالتفكير أن هذا الإطار يمكنه أن يساعد على التسلق وخلق إخوانيات وصداقات للطبع والنشر ، أو للتزلف والتقرب من أولي الأمر قصد نيل المطالب والإكراميات ، فما طرحه المؤتمر لم يكن في مستوى المرحلة ، لأن كل الأسئلة بقيت معلقة إلى حين ، لذا لم يتم الحسم في علاقة الثقافي و السياسي ، أو إشكال الديموقراطية والتعددية ، أو المشروع الثقافي الوطني والعولمة ، أو خصوصية الهوية والإنفتاح على الآخر ، أو علاقة الثقافة بالتعليم و أزمة القراءة ، هذه أسئلة حاولنا أن نسوقها هنا لنؤكد أن دور الكاتب المثقف تتجاوز إطار الإتحاد ،
لأن العمل هو أن نبدع ما هوأجمل ، أن نفكر في ذواتنا وفي علاقاتنا مع الآخر ، لهذا من الواجب علينا أن نتخلص من عقدنا ، ومن نرجسيتنا .
ملحوظة :
هل بالفعل أن إتحاد كتاب المغرب إطار محايد ؟
ماالهدف من إدراج خطاب الإنفتاح على ما يسمى بالإنتقال الديموقراطي ذاخل المؤتمر؟
لماذا لم تكن ولو امراة واحدة في المكتب المركزي ؟
ما هو سبب تهافت الأعضاء على الترشيح ؟
لماذا تغيب البعض دون أن يعلنوا عن ذلك ؟