صحافة

                                                  

الثلاثاء، 10 يونيو 2008

بحال شعبان بحال رمضان

الحر بالغمزة...
بحال شعبان بحال رمضان
محمد صولة

يبدو أن الدارس لحال الوضعية السياسية بالمغرب مصاب بالغبن أكثر من اللازم خاصة أنه لا يمكنه أن
يتكلم كلاما حقيقيا وهذا ما جعل البعض يفضل أن يسكت حتى تستقيم الأمور وهكذ ا بتنا نلاحظ أن أغلب المتسايسين الذين يريدون أن يكسبوا من وراء السياسة يتلهفون فتات الزعماء الوهميين الذين لم يستطيعوا فعل أي شيء بل جعلوا المساحة التي أعطيت لهم أكبر من حجمهم الحقيقي فأين هي الشعارات التي تم رفعها في السابق أمام شباب كان يثوق إلى التغيير فما حصل إلا الوهم ثم الوهم
كانوا يترددون على المنصات للخطابة يحللون الواقع ويشرحونه كما يحلو لهم هاهم الآن قد صمتوا ولم يعودوا يقدرون حتى على ذبابة ما أروع تلك الأيام الخوالي التي كان فيها الإنسان يعيش على الكفاف والعفاف يحلم يصبو يرنو إلى تحقيق بعض أشيائه ما أروعها أيام عندما يخلد الناس إلى ذواتهم ويجدون أنهم هم كل شيء

الوطن في القلب وفي العين
الإنسان هو الجوهر وهو كل شيء
لكن الأذى يأتي من الحبيب والصديق
لنفكر جيدا أيها الأصدقاء والأحباء الغرباء
إنهم هنا وهناك
قالوا لنا لنتصالح مع
قالوا لنالنتسامح مع
قالوا لنا لنرغب في الدنيا وعنها
قالوا ولم يقولوا أي شيء بالمرة .
قالوا
قالوا

جماجم بحجم الوطن المستباح
يا سيدتي أما آن لك ان ترقصي رقصتك الأخيرة
قولي أرجوك عصاة سيدي سقوا لعظامي
أعرف أنك ستقبلين الوضع على ما هو عليه
أعرف أن الدهر غرار
أعرف أن الزمان صعب
أعرف أن اللي حفر شي حفرة كيطيح فيها
أعرف أن اللي فيه الفز تيقفز
أعرف أن الكلاب تنبح والقاطرة تسير
أعرف أن العين بصيرة واليد قصيرة
أعرف ما لا يعرفه الآخرون وهت الآخرون هم جهنم ؟
أعرف
أعرف

يد وحدة ما تصفق
حوتة وحدة كتخنز شواري
اللي عطاه الله عطاه واللي زلق جا على عين قفاه
واش هكدا بغات الأيام نمشيوا في الدنيا كاملين


ياسادة لقد تعمدت أن ألغي كل علامات الترقيم التي تعرفها اللغة العربية وأترك الكلام كل الكلام يسترسل على عواهنه فاقرؤوا أنتم ما تريدون واتركوا الباقي لي وحدي لأني لا أريد أن أقول شيئا وشيئا فشيئا هذا الكلام يصبح شيئا آخر


لاأريد إلا بعضا من كلمات ترقص كلما ناداها اللسان المفلول كالسيف

وحدها الحكيمة الشيخة تقول عندما يرقصها حبل الفقر والجوع خلي لعدو كيتو وحدو أو ليلتو وحدو عندي أنا بعدة بحال بحال
فلتنامي أيتها الفارهة الحسناء سعيدة في مكانك الجميل وليهنأ بال الجاحدين المتربصين بك لأنك قلت كلامك وانزويت لكن إسمحي لي أن أقول لك بحال شعبان بحال رمضان والسلام

الاثنين، 9 يونيو 2008

بلاغة الكتابة القصصية عند عبد الرحيم مؤدن

بلاغة الكتابة القصصية عند عبد الرحيم مؤدن
"وتلك قصة أخرى" نموذجا.
د. محمـد صولـة

إن الكتابة القصصية هي مغامرة في الزمن، وضده، بحيث تبدو لصيقة بتفاصيل الذوات التي يلفظها اليومي الحرون ويتشبث برسوخها فيه، لأنها تنفلت من أسار النمذجة المغرر بتشكلها ومضمونها، وتدافع عن مدى تحررها من هذا اللغم التحقيبي والتجنيسي والتأويلي الشخصي ، وإن كانت القصة القصيرة، كما تحددها أبجديات التأريخ والنقد الأدبيين، محفوفة بمخاطر التفاصيل السردية فهي بذلك تحاول ضبط مجموعة من الأسئلة التي تفترض المراهنة على قراءة المجتمع من خلال متخيل يهجس بالاختزال الشديد والتركيب، وبهذا تكون الكتابة القصصية تبحث بدورها في أقاصي المجهول عن بلاغة لغوية تجيب إلى حد ما عن حكائية الاجتثاث والتشظي، وصياغة النص القصصي عند القاص عبد الرحيم مؤدن تأتي من رؤية متكاملة تشمل تكونها تنظيرا وإبداعا ونقدا، وتحمل وعيا كائنا وممكنا لاحتمالية كتابة قصصية جديدة تربط بين انتقاد سديمية الواقع وأفق تحديثه المجازي.
العنــوان وقــــراءة داله:
بدءا تتبدى العناوين في أظمومة "وتلك قصة أخرى"1 لعبد الرحيم مؤدن القصصية موشومة بانزياح لافت، إذ تتخذ من تراكيبها منحى استباقيا يراهن على تنوير المتخيل الجمعي، لذلك فإن قراءتها تتمظهر شكليا في المستوى الأفقي، كأن نتحدث عن الحكي الطفولي الغريزي في البداية والممتد في الزمان والمكان إلى النهاية، أي في ختم المجموعة، هكذا نلاحظ أن هناك مؤشرات تختزل بنية الحكاية، تارة بفعل انتسابها إلى التخييل، أو إعادة إنتاج الدلالة فيه، وتارة أخرى بارتكازها على الذاكرة أو ترتيب تشييد المعنى الذي يفتقده الواقع المفكر من خلاله، والمستعصي على الفهم، لأن حضور الكشف والمكاشفة كسمتين يجعلهما يرتبطان بتفكيك صورة محتملة للمعيش، ويدفعهما إلى تبديد هذه العلاقة وربطها بالغرابة الكامنة في خطاب يتبنى الانتقاد والسخرية.
إن هذه العناوين إذن، بقدر ما تتحرك أفقيا- كما أسلفنا – على المستوى التخييلي، فإنها تستدرج الخطاب الحلمي المفتوح على زخم طفولي مستبد باللغة والصور وعناصر التداول، يلاحظ هذا في" أوراق طفل عاش مائة عام" و " جدتي هنية" و " الماتش" و " الوقت من ذهب" كعناوين فرعية، هي في الأصل عناوين لنصوص مستقلة بذاتها، في حين أن " قوس قزح" " ومكان مظلم وجيد الإضاءة" و " العصفور" و "تلك قصة أخرى..." تشكل من خلال معمارية نصيتها2 وعبريتها3 لها تحويلا دلاليا يسهم في تكثيف معاني التسمية والتعيين4، لذلك فإن هذه العناوين، على الرغم من تصنيفها لها إلى صنفين، هي عتبات seuils تختزل أفق انتظار المتلقي، وتدفعه إلى تحيين خطاب النص في علاقته بخطاب المحكي، وإذا كانت هناك معينات إغرائية تنقل مسوغات القراء إلى احتمال كونهم مشاهدين5، فإنها تعيد ملفوظها إلى مناصصيته sa paratexte باعتباره نصا موازيا يمكنه أن يسترشد به العنوان المركز، وهنا تصبح الكتابة القصصية كتابة فسيفسائية6، تسرد التفاصيل وترهنها بالنسقي الفني والجمالي، بدءا من العنوان إلى النص، ومن المركزي( قوس قزح)إلى الموازي (الرجل والكمان أو الكمان والرجل)، وهكذا فلذة النص ومتعة قراءته تنطلق من نهايته، لأن العنوان الأصل، هو آخر نص في المجموعة، وهو مبتدأ الحكي، يظهر فيه صوت الكاتب أكثر ما يبرز فيه حضور السارد، " أقترح عليكم أن نكتب قصة مشتركة ما رأيكم؟ مجرد اقتراح، لنبدأ"7.
بناء النص- تيمة الكتابة:
إن الكتابة القصصية ذات طبيعة تنويرية للغة ولتناميها الزمني، بحيث إن بناءها من هذا المنظور يقتضي الاهتمام بالوعي السردي القصصي المحفوف دائما بالمغامرة والتجريب، وإذا كانت هذه الخصيصة تضبط النص القصصي وتجعله أكثر ملاءمة لنسقية جنسه، فإنها تبدو من وجهة نظر أخرى ذات حساسية بليغة، وذلك من خلال التقاطها للتفاصيل واقتصادها اللغوي وكثافة مدلولاتها، وربطها الإيجابي بين السردي والوصفي، وعلى الرغم من هذا، فإنها تبقى ملتزمة بصوغها البنائي المتمرد على البنيات المطلقة والرؤى الكلاسية، لذلك ثمة انفتاح على الخطاب القصصي وعناصر تشكله، ورونقه بلغة ذات إيقاع شاعري، "لكن الكتابة القصصية القصيرة ليست لها الصلابة الكافية لمحاكاة السيرورة الخارجية في شموليتها، فاستسلمت لهشاشتها الجميلة، إنها ذات بعد استعاري محض، أقصد أن لغتها المفضلة هي الإيماء والإيجاز والوصول إلى الهدف بأيسر الطرق، ونبذ كل ارتباط بالبداية أو النهاية التقليديتين، فهو أقرب إلى الشعر لغة"8، فهل كتابة القصة القصيرة تتحكم في بنائها وتيمتها، أم هما معا ينضبطان وفق خطة القصاص الواعي باشتغاله السردي داخل جنس معين؟.
تظهر نصوص "وتلك قصة أخرى" ثلاثة أنماط للكتابة القصصية، هي: نمط البناء الحكائي المقطعي، ونمط البناء الحكائي التناوبي، ونمط البناء الحكائي المسترسل، وإذا كان لكل بناء من هذه الأنواع نمط معين ، فإن معمارية النص وهيكلته تخلقان هويته، أي أنهما تجعلانه مرتبطا بخصوصيته، فالكتابة القصصية عند عبد الرحيم مؤدن لا تركن إلى رؤية واحدة، بل تتعداها إلى تحبيك المتن القصصي عامة، وهو ما يحفز على التعددية الأسلوبية، والاختلاف الرؤيوي، والمغايرة الخطابية، لذلك نلاحظ أن بناء النص يترك هوامش للتأويل ويعتقها لغة، على الرغم من أن كل هذه الطرائق المشتغل عليها تدفع التيمة إلى أن تكون أكثر انفتاحا على التلقي والقراءة.
البناء الحكائي المقطعي:
تشتمل المجموعة على نصين بناؤهما جاء على شاكلة مقاطع، مرة بواسطة أرقام من (1) إلى(7)، ومرة بوضع عناوين فرعية تتناسل منها تقاطعات الحكاية، وتفجر متخيلها بطريقة القلب، مثلا "الرجل والكمان" و " الكمان والرجل"، وشكل هذين النصين بنائيا يرتبط بهدم الواقع المعيش دلاليا وإعادة تشيده، إذ أن التقطع الذي يظهر في المبنى ويستمد منه نسغه"... يدل على شعور قوي لدى الكاتب بعدم الانسجام، انسجام الواقع المعيش، وبعدم تراتبيته"9، لهذا كان من الضروري أن تأتي القصة في شكل لوحة أو غيرها مرهونة بدال ضابط لانتساج النص.

البناء الحكائي التناوبي:
تخضع القصة في هذا النمط إلى سيرورة حكائية هي عبارة عن أبنية متسلسلة، تبرز بوضوح في النصوص التراثية التي اهتمت بالسرد، فالحكاء مثلا في ألف ليلة وليلة، لا ينتهي خط امتداده السردي عند نقطة معينة إلا ويبدأ من جديد من خلال عرض حكاية أخرى، وهذا النمط10 يرتبط بمعالجة تيمات وقضايا، بحيث يشتغل داخليا أكثر، على الرغم من أنه يظهر انسجاما مع الشكل الخارجي.
البناء الحكائي المسترسل:
يبدو أن القصة المغربية بقيت مخلصة لهذا البناء، خاصة أنه كان أكثر واقعية بالنسبة للطروحات الاجتماعية والنفسية والتاريخية على السواء، لذا فسلطة الحكي فيه لا تكاد تخرج عن خارجيات المتن القصصي ومحفزاته التي هي أصلا من مكوناته وإمكانات متخيله، إذ نلاحظ أن هناك سيرورة في المتن الحكائي على مستوى اللغة السردية التي تتداعى فيها المعاني ويتناسل الأسلوب الحامل لدلالة غائية، "ويذهب الطموح بعيدا بكاتب القصة فيسعى إلى مزجها بعناصر يستقيها من الفنون الأخرى، هناك من يذهب طموحه إلى الموسيقى وهناك من يذهب طموحه إلى التشكيل والسينما و...و...و... والقصة بين هؤلاء وأولئك11، تتابع خطوها إذ يجد كل قارئ مبتغاه"، هكذا نقف على هذا الصوغ من خلال الاستناد على أربع قصص في المجموعة هي" الماتش" و " الوقت من ذهب" و "مكان مظلم وجيد الإضاءة" و "العصفور".
إن هذا البناء المتعدد في المجموعة يجعلها تهتم أيضا بالمقاربة الموضوعاتية التأويلية، وتحضر تيمات متنامية تؤطر القصةHistoir، وتمنحها اشتغالا على مستوى اللغة والخطاب، بحيث إن الصياغة القصصية بنائيا يمكنها أن تضاعف من تنامي النسق الزمني في الحكاية، وتدفعه تارة إلى الامتداد، وتارة أخرى إلى التقليص، وهذا ما يبعد استثمار الهوامش والمستنسخات والنصوص الموازية والتدليل على سياقات الحوافز الخارجية، لذلك تبدو استراتيجية الاشتغال على الشكل عند القاص عبد الرحيم مؤدن تجريبية، تستلهم الوعي بالكتابة القصصية في شموليتها، وفي أبعادها الفنية و الجمالية.
تنبني تيمة الكتابة في مجملها على طرائق عرض الأفكار والموضوعات، وتتجلى في المجموعة بصفة خاصة مرتبطة بشخصية الطفل، كصورة مقنعة لعالم متحول، تحاول احتواء تشكل الواقع، تبديده وإعادة اكتشافه من جديد، لكنها تجد نفسها مرغمة على تمثله في حدود إمكاناتها، وهو ما يشار إليه في نص " وتلك قصة أخرى"حين تستعصي على "علي"، وهو شخصية وهمية أصلا، كل الأشياء، فلا يحقق بذلك رغبته في تشييد الحكاية أو فهم متخيلها، لذلك يقول السارد:"يبدو أنك لم تستفد من الملاحظات السابقة، شخصية "علي" يجب أن تكون "حقيقية"، "علي" في الواقع لا وجود له والمقصود في القصة هو التعبير عن حالة واقعية لا يشكل فيها الاسم إلا يافطة إعلامية...وهل سمعت طوال حياتك عن مصروف المواصلات الذي يعادل نصف خبزة وكأس شاي حتى في جهنم !؟ " خرج علي..." ولكن تلك قصة أخرى..."13.
إن محتوى التيمات في المجموعة يتمثل إشكال الطفولة كقضية أساسية، يمكن قراءة أسئلتها من منظور واقعي، وكمسألة طفلية تحاول فهم كل ما يتعلق بذاتها ومحيطها وهوامشه من خلال طروحات اجتماعية ونفسية، بحيث إن مسار جل القضايا المطروحة في المجموعة يصب في تيمة واحدة، سواء بصيغة معلنة أو مضمرة، فنص" الوقت من ذهب"14، يعلن انتماءه إلى عالم الطفولة بواسطة إهداء صريح على الشكل التالي: "مهداة إلى الأطفال الصغار والكبار"15، أما باقي النصوص فتأتي قضاياها حسب الترتيب التالي:
1/ أوراق طفل عاش مائة عام/ العيد
2/ جدتي هينة/ الحكي
3/ الماتش/ كرة القدم
4/ الوقت من ذهب/ الوقت
5/ قوس قزح/ الموسيقى
6/ مكان مظلم وجيد الإضاءة/ السنين
7/ العصفور/ الوجود والعدم
8/ وتلك قصة أخرى/ التخييل.
هذه المواضيع التي قاربها القاص عبد الرحيم مؤدن في المجموعة، صيغت بطريقة ذهنية ونفسية، لأنها تحدد أفق انتظار المتلقي إلى حد ما، ولو أن المسافة الجمالية بين الباث والمتلقي تتخذ طابعا أسلوبيا يتسم بملمح الواقعية، لذلك فتيمة الكتابة بقدر ما يتم فيها التركيز على المسألة الطفلية وتداعياتها، بقدر ما تحقق شذوذات Altérations على مستوى خرقها لأنساق اللغة والخطاب.
محكي الأفكار واللغة والخطاب:
تكاد تكون الفكرة التي يشتغل عليها السرد القصصي هي الحدث المحكي، إلا أن الفاصل بينهما يبقى بين خطاب السارد و خطاب الشخصية، باعتبارهما محفلين يجمعان بين المسرود من الأفكار (الأحداث) والوسيط السردي الذي هو آلة سردية بين المحكي والمسرود له، و "الأمر يتعلق هنا بمحكي للأحداث، حيث يحكي ما قامت به الشخصية أو ما وقع لها، ويمكن للسارد أن يتناول كلام الشخصيات كموضوع لسرده، وقد يختار أن يعيد إنتاجه حرفيا، كما تم التلفظ به "واقعيا"، حينئذ ينمحي السارد أمام الشخصية، ويصبح السرد شفافا"16 لذلك نجد في بداية المجموعة، وخاصة في المقطع الأول من نص "أوراق طفل عاش مائة عام" تقاطعا بين السارد والشخصية،" اليوم عيد ،انتظرت بفارغ الصبر بسمة الباب، وكأنها بسمة صبح بعد ليل طويل، ونحن الأطفال لا نعرف إلا بسمة الأبواب، أباؤنا قليلا ما يبتسمون، وفي حالة ابتسامهم تبدو هاماتهم كأبواب الأعياد التي تظل مشرعة طوال اليوم، ثم تنكفئ على نفسها في المساء"17 إذ يتضح في هذا المقتطع، كيف أن السارد يسرد،و يصف، ويجمع بين مختلف عناصر الحكي والأشياء التي تكمل رؤيته داخل وخارج المحكي.
إن الأفكار التي تأتي بواسطة لغة سردية جد مختزلة وواقعية، تجعل من حركتها تعبيرا أكثر دقة على استثمار التفاصيل والقبض على الهوامش، بحيث يتم الحضور الحواري بين السارد والآخر كمفكر من خلاله، لأن "...الخطاب الذي يكونه البطل حول نفسه يتكون من الخطابات التي يكونها الآخرون حوله، إنه يتكلم ويفكر من خلال الآخر"18 وهذا يتمظهر عندما يتقاطع صوت السارد مع صوت الشخصية، فيكون بذلك إطارا يجمع بين الحوار الداخلي والخارجي،"- يخاطب الطفل نفسه بصوت خافت، ويومئ برأسه عدة مرات، وكأنه يوافق شخصا وهميا همس له بهذا الكلام:" السجن السجن ولو كان من زجاج!" 19 ، وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التداخل يساهم في خلق لغة وخطاب الشخصية الملتبسة، بل من خلال بعض المؤشرات الذاتية التي أتبتت على أساس التذكر والتخيل والتوصيف، وقد بات من الضروري أن يستفيد السرد القصصي من التبئير اللغوي كأسلوب منفتح على الحكاية في كمونها أو تحققها، و سواء أكانت عناصر الحكي منجزا داخليا أو خارجيا، فإنها لا تحتفظ بدالها إلا باعتبارها لغة يتعدد فيها الخطاب بين الذاتي والموضوعي في سياق إدراك ما.
إضافة إلى هذا، فإنه في بعض القصص يتم الاهتمام بالتبئير الخارجي الذي يعتمد الاستهلال الملتبس، و فيه يصبح البطل غامضا، ثم يعلن عنه في الأخير، مثلا في نص "الماتش" نقرأ ما يلي:" في البداية لم يصدق ذلك، أخفى الخبر عن الكل، وانتظر اليوم الموعود، صفوف متراصة، ورجال القوات المساعدة يلوحون بهراواتهم القصيرة، همس رجل من الصفوف بتسليم:
- هؤلاء لا يعرفون إلا الضرب !
- أجاب الثاني بتسليم أيضا:" انتظمت في الصف مصيبة، وإذا لم تنتظم فالمصيبة أكبر"20 .
إن اللغة التي يستثمرها السارد في جل نصوص المجموعة، هي لغة مشدودة إلى الواقع، مادام أن هناك علاقة بين الواقع والمثال، بين الذات والموضوع، إنها استحضار في بعض الأحيان للاشعوري يحاول أن يفهم منطق الواقع كمعطى في نفس اللحظة، وإذا كان هناك فعل بين الخارج والداخل للشيء، فإن ما يربط بينهما يجعل الخطاب يعيد إنتاج رغبته التواصلية أثناء عبريته للواقع، يؤكد هذا سيجموند فرويد في تأطيره لإشكال الواقع بين الذات والموضوع، "واللحظة الحاسمة هي اللحظة التي فهم فيها، فيما بعد، بأن نواة الحقيقة تتعلق بالرغبة (الأوديبية في آخر المطاف) التي تستثمر في هذا الواقع " وتمنحه واقعيته"، ويمكن القول هنا بأن الرغبة تعامل نفسها على أنها هي الواقع ! "21 يتجلى هذا في نوعية الربط بين المحسوس والمتخيل، كأن يتم تحويل الواقع إلى عصر مضاد ومستفز " سأل الجيلالي الديك مرة أخرى، الذي كان يداعب في هذه اللحظة "أرقامه" الذهبية:
- ومن يوقظ الناس من نومهم؟
- الدنيا مملوءة بالديكة، لست أنا على كل حال، لسنا نحن على كل حال!.
تعجب" الجيلالي" من فعل الجواب الغريب، فأسرع بالقول:" الوقت من ذهب"22، إذ أن هذا التحول يمكن أن يخدم من منطلقه اللغوي خطا بين أساسيين، أولهما مبأر و ثانيهما مبئر، لذلك فمحكي الأفكار عندما يربط بالصيغ les modalités تصبح حقول رؤيته متباينة، أي قد يمارس عليها التضييق أو التوسيع، وبالتالي، فإن مجال الربط بين العنصرين يتخذ شكلا متعددا، بحيث إن الناس يشاهدون في المرحلة الأولى ما يراه هو في المرحلة الثانية، وإذا كان موضوع الديكة هو المقصود، فإن مستويات إدراكه هي المنجزة له، وهذا حسب منظور ميك بال Mike bal يخلق تمايزا بين فاعل الإدراك (المبئر) وموضوع الإدراك(المبأر)23، ويجعل اللغة التي تنقل بواسطتها محكيات الأفكار، وما يؤطر انسجام الخطاب في النهاية، عنصرا منظورا إليه من خلال الاهتمام بخطاب المحكي، وضمنه باقي الإوالويات التي تفيد سردية الحكاية .
الزمن والمكان:
يحاول القاص عبد الرحيم مؤدن أن يكون إيقاع مجموعته متداخلا، بحيث إن زمنية السرد لا تخلو من اختلالات تسعى إلى توفير فسحة لتفجير المحكي، ويمكن أن نلاحظ هذا في مستويات متعددة، من بينها: "كان يتابع الدقائق الأخيرة من المباراة، وتعيش المدينة أسبوعا كاملا من الفرح الجنوني في انتظار المباراة المقبلة"24، فالجملة الأولى ترتبط بالمدى والثانية بالاتساع، لأن الصيغة الأولى تفصل بين توقف الحكي وبداية ارتجاجات الزمن، ولعل هذا ما يؤدي إلى التذكر الذي يظهر في البداية، وذلك حين يقول السارد" في البداية لم يصدق ذلك، أخفى الخبر عن الكل، وانتظر اليوم الموعود، إذن، أي شيء لم يصدقه؟، وما هو الخبر الذي أخفاه؟، إنها أشياء مرتبطة بالاسترجاع المتوائم مع المسرود التضميني25، كما يلاحظ أيضا، أن العناوين في مجموعها كلها تشمل استراتيجية دلالية محددة، هي تأكيد على ما سيقع من أحداث، فالزمن الذي تشتغل عليه العناوين المركزية والفرعية، وكل ما هو مواز لها من مقدمات ومداخل..الخ، يخدم هذا الاتجاه، باعتباره استباقيا Prolepse، ولنلاحظ العناوين التالية الواردة في المجموعة: أوراق طفل عاش مائة عام، جدتي هنية، الماتش، الوقت من ذهب، قوس قزح، مكان مظلم وجيد الاضاءة، العصفور، وتلك قصة أخرى، إنها مؤشرات دالة على كشف المحكي، واختزال له في لحظة السرد التي هي تدبير بين الوقت والزمن، ففي "نص"جدتي هينة" نجد البداية تنفتح على الزمن الحكائي، ثم تتحول إلى ضبطه في الوقت المحدد، يقول السارد: كيف حال "هينة" مع الغول؟ تبتسم جدتي، وتأخذ في مسد ساقيها الممدودتين للاستسلام..وتحكي.."كل عام تنتظر "هينة" موسم جز الصوف، عادة يكون الموسم في فصل الربيع"27 ، هذا الفعل الذي يورده القاص في البداية " تحكي" هو مؤشر على الدخول في زمن متخيل، لكن لقطة "عام"، إضافة إلى"موسم" المتكررة مرتين، الأولى مرتبطة بلحظة جز الصوف، والثانية تحدد لها وقتا أولا ثم زمنا، أي أن فصل الربيع يمكنه أن يكون زمنا متداخلا بين الوقت وزمنية الحكاية، وتتمظهر هذه العلاقة في الامتداد الإيقاعي كخاصية من خاصيات الكتابة القصصية في المجموعة، وهي هنا بنيات منتظمة في إطار من الصور المتنوعة، يجمعها شكل حدسي، أو توتر في امتداد المكان، وفي سياق إيقاع زمني منصهر،" لأن هذا يبين بكل جلاء أن التوتر هو الذي يعطي الزمان، وأن الزمان- مرة أخرى- ليس إلا نتيجة"28 لذلك كان حلم السارد- الطفل بمائة عام- كلها أعياد أو حكاية قوية من حكايات الجدات الساحرات، أو استرجاعا للحظات اللعب البدائية كاستعادة لعبة كرة القدم في الحي، وحوار العصفور وهو في القفص، وتأمل الموسيقى والسينما وسلطة التمرن على الحكي، فالمستوى الإيقاعي الدال دائري" نظر الطفل "الجيلالي" إلى الساعة الدائرية"29،و "كان الأطفال في هذه اللحظة يرقصون رقصة الهنود الحمر الدائرية"30، وبهذا تكون المجموعة قد كثفت من الدلالة الزمنية على حساب ما هو واقعي في المكان المعيشي المتخيل، لأن هوية الانتماء المعلن عنها في القصص ككل، هي ممثلة من خلال معجم طبيعي محدد، يمكن أن نشير إليه باستعمال جرد إحصائي لألفاظ تعود إلى حقل ذاتي لا يبارحه السارد- الطفل أو غيره في المجموعة، وهو على الشكل التالي: الشهدية (المشمش والخوخ) علبة "دانون"، الغشاء الزنكي،"الفوريان"، عيطة" كوبا"، "دي ستيفانو"، " سانتا ماريا"، "أديداس"، الترانزستور، كوكاكولا،..الخ، وهذه الكلمات لوحدها يمكنها أن تؤطر متخيلا معينا، يساهم في جعل رؤية السارد للمكان مرتهنة بعودته إلى الذاكرة، أي أن دلالاتها استرجاعية أحيانا، وحلمية أحيانا أخرى، لذلك فالكون الذي يعيشه السارد مكانيا هو منته في الصغر وممتد في الكبر، وعلى الرغم من ذلك فالكون الذي يعيشه فيهما يحس بترابطهما31، إذ ليس المكان هو الحيز الجغرافي والمؤثث لإطار له خصوصية الحجم والشكل والكتلة، بل هو كل الأشياء التي يمكنها أن تتمثل في المحكي من خلال عملية التحويل32 التي تتم وفق شروط البحث عن حقيقة الذات مقابل نفسها.
إن المكان الجغرافي المستحضر في المجموعة محدد في البيت، الكوخ، الملعب، السجن، السينما، الحمام، المقاطعة، أو بصفة مدققة زنقة الإمام علي وزنقة معاوية بن أبي سفيان، وترجع هوية هذه الأمكنة إلى تعالقاتها مع مختلف عناصر المتن الحكائي، وهي بالضرورة تختزل- إذا أردنا ربما التأكيد أكثر- حيزا أتوبيوغرافيا للكاتب يجعل منه منطقا تخييليا، لأن القصص تجري أحداثها في فضاء أوسع، هو فضاء القنيطرة، في حين أن المكان المتخيل له علاقة بعالم الطفولة، وهو منسي أساسا على متناقضات وأضغاث أحلام، ويمكن أن نلحظ هذا في عينة هي على الشكل التالي: "فانتفض صارخا في الأطفال الذين فروا نحو علب كارتونية فارغة صنعوا منها بيوتا بمرائب سيارات، وبيوتا بحدائق، وبيوتا بمسابح، وبيوتا بمدافئ.."33 وإذا كان المكان على العموم مصرحا به أو مضمرا، فإنه قد يأتي محيلا عليه بإشارات أو علامات أو رموز، لذلك فالجسد السارد يتحول إلى مكان بدوره ويؤدي وظيفته المجازية و الاستعارية، يقول السارد – الطفل " عن الأطفال لا نعرف إلا بسمة الأبواب، آباؤنا قليلا ما يبتسمون، وفي حالة ابتسامهم تبدو هاماتهم كأبواب الأعياد التي تظل مشرعة طوال اليوم، ثم تنكفئ على نفسها في المساء"34، وهذه الأدوار التي يلعبها المكان في المجموعة، هي أدوار متعددة تجعله يؤدي وظيفة بلاغية، تمنحه رغبة في الاكتشاف والمغامرة، فالسارد- الطفل كلما أطل على عالم الكبار، إلا وأحس بنوع من التوتر والانغلاق " وفي يوم العيد ذهبت عند خالتي وجدتي وعمتي، فلم أجد إلا الأبواب المغلقة"35 لكنه عندما يعود إلى ذاته يحس بانسجام وانفتاح على الآخر، خاصة وهو يستعيد لحظة فارقة من حياته الحالمة"، وفي أيام الأعياد تتحول خيوط "هينة" إلى خيمة عرضها السماوات والأرض، أما في أيام الصيف فيستظل بها الناس من لفح الهجير، وفي أيام البرد يحتمي بها الذين انقطع بهم حبل زمانهم، وفي أيام الربيع تختلط ألوانها على الطير مع شجيرات "الدفلى" و"عباد الشمس"36، وتتمثل هذه النظرة المكثفة لعالم الطفولة فضاء شموليا وممتدا أيضا في الزمن، أي من تأطيره في الخيمة إلى تداعيات الانتشار في السماوات والأرض وانغماسه الإيجابي في الفصول الأربعة، ولذلك يظهر استثمار المكان متناغما مع الزمن وإيقاعيته، بحيث هناك شعرية حلمية في توضيب عناصر الطبيعة والإنسان والجماد والمؤسسات، وهو ما يخلق للنص صورته ونغمته، إذ من خلالهما تتأكد علاقة الشكل القصصي بالواقع، أي بين المكتسبات الحكائية ومتغيرات المجتمع الحديث37، هكذا يبدو الربط بين العنصرين مؤسسا على وعي متكامل بالعملية الإبداعية ومرجعيتها الواقعية.
أسلبة الواقعية الانتقائية:
لعل اهتمام القاص بالنزعة الواقعية هو ما دفعه إلى توظيف كل أشكال اليومي والراهن والهامش، إذ ليس بالضرورة أن يتم نقل الواقع بكل تفاصيله إلى الإبداع، لأن مدونة الذاكرة لا يمكنها أن تستعيد كال هذه الجزئيات، وبالتالي فهي ترجح التعامل بصورة انتقائية مع ما يصلح للترميم والأسلبة.
إن نصوص المجموعة، تكاد تشتغل على عينات خطابية متعددة الأساليب، وهي عملية تجريبية في أشكال الكتابة الرحلية والمسرحية والمقالية والشفهية، وبالتالي فهناك حضور لأسلبة الخطاب، حيث يتساوق اليومي والأخلاقي والسياسي والاجتماعي إلى درجة أن الصيغة تتخذ طرائق سردية وحوارية تارة، و وصفية تارة أخرى، ذلك أن دقة الانتقاء في المعجم أبرزت صدق العلاقة مع حركية المجتمع، خاصة أنها لم تعالجها من زاوية واحدة، بل صرحت بذلك بأسلوب سخروي ينتقد المعيش وثباته ويدفعه إلى تأهيل أدواته ورؤيته، ويمكن الإشارة إلى الصيغة التالية التي وردت في نهاية المجموعة "خرج علي" وتلك قصة أخرى38، وبهذا فالمجموعة استعانت بكافة الوسائل لتبليغ خطابها، ورسالتها التي هي إنسانية بالدرجة الأولى، وموجهة إلى فئة مستهدفة تتمثل إجمالا في الأطفال والفتيان.

خاتمـــــــة:
نخلص إذن إلى أن المجموعة قد استطاعت أن تكثف من استعمالات اللغة اليومية في تنوع أساليبها وتعدد خطاباتها، وبذلك جاءت حاملة لفكرة تهتم بالواقع في اجتماعيته، بل وتعيد تشييده من خلال مساءلته وتحليله، لذلك فالنصوص، وعلى الرغم من اختلافيتها، تصب في تيمة واحدة، تتمثل في الحقل الطفلي لا سيما أنها تحرص على مواكبة أهم تحولاته الذاتية والموضوعية، وبالتالي تحتفي القصص بذاكرة جمعية، تراهن على استقراء العابر واليومي و تجلياتهما، واستنباط فرادتهما، لأن التعامل النصي مع الذات الساردة في احتمال نوعيتها القصصية، هو وعي ينتصر و يتمثل صدق الموضوع وقوته.








هـوامــــــش
1/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...عيون المقالات.الدار البيضاء. الطبعة1. 1990.
2-3/ قصدنا من وراء هذا التلميح إلى مصطلحين لجيرار جنيت هما معمارية النصArchitextualité، والعبر-نصيةPara- Textualité، وقد ورد في كتابه Palimpsestes
P.7-8..Seuil 1982 .La litterature au second degré
4/ Ch.Grivel.production de l'interêt romanesque.Moton.1973.P.169-170.
5/ Gerard Genette.seuils.ed seuil. Paris.Page 71.
6/ إدريس الصغير.لماذا القصة القصيرة؟. أفاق. ملف القصة القصيرة في المغرب العدد:60. ص:160.
7/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:41 .
8/ محمد معتصم. التيمات الرئيسية والأبعاد الدلالية في القصة القصيرة بالمغرب. آفاق المغرب. العدد 60. ص:19.
9/ نفسه: ص.20
10/ نحيل هنا على نص لعبد الرحيم مؤدن في مجموعته، هما:"جدتي هينة" و "تلك قصة أخرى"
11/ يقصد القصاص محمد صوف في شهادته بهؤلاء وأوائل القصاصين الذين يكتبون إما قصة واضحة أو أخرى ممزوجة بفنون...آفاق. مرجع سابق.
12/ محمد صوف. ومع ذلك فهي تدور. نفس المرجع.صفحة 170.
13/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق.صفحة 44.
14-15/ نفسه ص:25.
16/ جيرار جينيت-وايت بوت- بوريس أوسبيسكي- فرانسوازف روسوم غيوم-كريستيان أغلي- جان إيرمان.نظرية السرد من وجهة النظر إلى التبئير، الحوار، ترجمة ناجي مصطفى.ط1. 89. ص:106.
17/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:5.
18/ جيرار جينيت... نظرية السرد. مرجع سابق.ص:111.
19/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:25.
20/ نفسه.ص:17.
21/ بول لوران أسون.التحليل النفسي.أسسه الفلسفية ومكتشفاته الكبرى.ترجمة وتقديم محمد سبيلا.دار العرفان للنشر الحديث ومنشورات مجلة الدراسات النفسية والتربوية 1985-صفحة 103.
22/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:27.
23 / نظرية السرد.مرجع سابق. ص:120.
24-25/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:17.
26/ نظرية السرد. مرجع سابق.124.
27/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:9.
28/ غاستون باشلار.جدلية الزمن.ترجمة خليل أحمد خليل.المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.الطبعة الثالثة.1992.ص:142.
29 /عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:25.
30/ نفسه. ص:39.
31/ غاستون باشلار. جماليات المكان. ترجمة غالب هلسا. المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع.ص160. الطبعة السادسة 2006.
32/ بول لوران أسون.التحليل النفسي.مرجع سابق.ص:62.
33/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:39.
34/ نفسه.ص:5.
35/ نفسه.ص:8.
36/ نفسه.ص:10
37/ عبد الرحيم مؤدن. الشكل القصصي في القصة المغربية.ج2.منشورات عكاظ. ط1 1997.صفحة 432.
38/ عبد الرحيم مؤدن. وتلك قصة أخرى...مرجع سابق. ص:44.

الأحد، 8 يونيو 2008

الذاكرة وعين السارد

الذاكرة وعين السارد
قراءة في نماذج سردية لعبد القادر الشاوي
د . محمد صولة

يعتبر أدب السجون من بين أهم الكتابات الإبداعية التي اختزلت التجربة الحياتية في مختلف صنوفها للكاتب داخل السجن، ومن هذا المنظور، يمكن القول إن التجربة التي عاشها المبدع في قلب معتقله استطاعت أن تخلق نمطا إبداعيا نوعيا، كان إلى حدود القرن التاسع عشر، شبه مغيب، على الرغم من أننا نجد بعض التوظيفات هنا وهناك عند البعض ، وبطريقة مقنعة، خاصة عندما يتم الحديث عن فضاء السجن أو تجربة الاعتقال حبيسة نزعة ذاتية غير واضحة ، لكن مع ضرورة الانفتاح على الأسئلة الاجتماعية و السياسية الراهنة ، بخصوص أهم الإشكالات ذات الخصوصية النوعية التي برزت كالديمقراطية، وثقافة حقوق الإنسان، وقيم المواطنة، والعدالة الاجتماعية، والانفتاح على الآخر، ونقد الذات، بات من الطبيعي أن يعيد الكاتب رسم صورته، ووضعها في إطارها الإنساني، بحيث يجعلها خاضعة إلى التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وبالتالي فإن انتسابها إلى هذه الدينامية يدفعها إلى تجاوز اللحظات الحرجة الذاتية والموضوعية.
الإشكـــال الأجناســي:
إن العودة إلى السرود المغربية، وبنظرة دقيقة، نلحظ أن إسم عبد القادر الشاوي يعتبر من أهمها في الكتابة السردية السجينة، إن لم يكن أقواها وأعمقها، وذلك نتيجة رؤيته العاكسة بصدق حجم المعاناة والمحللة للتفاصيل الوجودية المعيشة داخل المربع الأسود، وضمن هذه السرود يبرز الإشكال التجنيسي، فمرة هو أتوبيوغرافيا ومرة أخرى رواية، وثالثة يتأرجح بينهما، ولعل هذا ما نجده في "كان وأخواتها" كرواية عن دار النشر المغربية، البيضاء 1987، و "دليل العنفوان" كسيرة ذاتية عن منشورات الفنك البيضاء 1989، وباب "تازة" عن منشورات على الأقل الرباط 1994 و"الساحة الشرفية" عن منشورات الفنك البيضاء 1999، وبقدر ما تتعدد هذه الانشغالات في التعامل مع أشكال السرد في التعبير عن التجربة وما يتصل بها، بقدر ما جاءت كردود أفعال واعية على مرحلة بأكملها، "إلا أن ما يميز عبده- إلى جانب عبد الله العروي- عن الكثير من كتاب السيرة الذاتية بالمغرب هو أن الكتابة السير-ذاتية عنده لم تنتج من فراغ في التجربة، أو جاءت كنتيجة لإرغامات نوسطالجية فقط، بل إنها أتت كإجابة عن العديد من الأسئلة المتصلة بصوغ سؤال الأزمة والذات والكينونة، في علاقتها بتحولات الزمن والمكان والعالم بشكل عام "[1] هذا التعدد الأجناسي منح عبد القادر الشاوي تنويع أساليب التغيير، وربما حتم عليه إضافة كتابة سردية نوعية تمزج بين الواقعي والتخييلي، بين الذات وخارجها، باعتبار أن "دليل العنفوان"[2] هي أجناسيا رواية، لكنها منذ سطرها الأول في القسم الأول المعنون ب "الخلطاء" ،تتأكد مراكمة السير ذاتي على حساب المتخيل الروائي، ويأتي على لسان السارد بضمير المتكلم في "دليل العنفوان" ما يلي: "أقمت في بداية الشتاء في مسكن متواضع يطل على الجوطية"[3] وأيضا نجد في "الساحة الشرفية" صيغة ضمير المتكلم، "عندما وصلت إلى براندة، في تلك الأيام من شهر غشت، كانت سنوات الجفاف، فعلا، قد قسمت نوعا ما على تلك المناطق الجبلية المنيعة... أو هكذا توهمت! [4] ونفس الأسلوب نلحظه في رواية "باب تازة"، "شرعت في كتابة هذه الأوراق، كما اتفق، بعيد إطلاق سراح المفضل وخروجي من باب تازة، وأنا على حال من الغيظ كظيم،..."[5] هكذا تتمظهر إواليات الأتوبيوغرافيا وهي تحرص على شكلنة الكتابة السردية من منظورات جديدة، إذ تتغيا تحقيق كلفة المعاناة من خلال مساءلة الذات والموضوع ، وذلك في إطار العلاقة بين الكاتب والقارئ، أي بين الواقع النصي كمعطى والمرجعية التي تختزل كل ما يرتبط بالخارج وذاكرته المتنوعة.
لقد كان من الضروري أن يتم إعمال الأسلوب الواقعي لتبرير الربط بين النص ومحيطه، أو الاشتغال على تخييل ما بغية إعادة إنتاج تعالقات تراكمات الذات وما يستلزم تشييدها وهندسة معماريتها، لكن في سرود عبد القادر الشاوي نلاحظ هذه الصيغة المتعدية غير اللازمة في كتابة الحكاية، وفي لغتها وكيفية بنائها، مثلا "يمكن القول إن رواية" دليل العنفوان" تؤكد لنا، مثل بعض النصوص الجيدة، أن متعة النص يمكن أن تتحقق من خلال مادة أولية شديدة الصلة بالمجتمع وهمومه وأسئلته، إذا ما أتيح لها وعي فني يعرف كيف يقيم المسافة الضرورية بين الوقائع ومقتضيات التخييل ومد جسور الكلام"[6]، ومع أن طبيعة الربط" بين المتن وخارجة تبدو بعد الأحيان ملزمة في مرحلة ما من حياة الكاتب، خاصة إذا كانت تستعيد صور الطفولة، أو الشباب، أو توثق معاناة السجين، كما هو حاصل في أدب عبد القادر الشاوي السردي، إذ أن هذه الفرادة المخصوصة تختزل حياة مأزومة في ظل مرحلة إستثنائية ، لكن عبد القادر الشاوي تجاوز الكتابة السير ذاتية من طرحها الكلاسي إلى الحديث والمعاصر، وهكذا اتضح التميز في الرؤية واللغة والدلالة.
ســؤال وجــع الذاكــرة:
إن تمظهرات أدب السجون تتأسس على مجموعة من آليات المرجعية السجنية، فمن خلالها يستعيد المؤلف ذاته وموضوعه بالكامل ، ثم يستأنف تحقق شرطه الطبيعي بتركيزه على محكي الذاكرة، هكذا نلحظ الاهتمام المكثف بالعلاقة المتماهية بين النص المكتوب والنص المفكر فيه تخييلا، والنص المتخيل، بحيث تصبح التجربة المنكتبة"ذاتيا" تختزل التاريخ والتراث والفكر والمجتمع، ومع تنامي المد التحرري، بعيد الحرب العالمية الثانية، هيمنت الاتجاهات الفكرية التحررية مثل القومية والاشتراكية والوجودية، وتبلورت مقولات مثل الوطن والطبقة، والأمة، والفرد، والحرية والالتزام، كل ذلك ساهم في إعطاء الرواية العربية مكانة متميزة، على مستوى الحضور المتميز كخطاب فني، يعانق مختلف قضايا المجتمع ويساهم في تفكيك مختلف بنياته، ويرصد مجمل المشاكل الكبرى للصراع الاجتماعي والسياسي..."[7] ، كل هذا التراكم الذي كان محفزا للكتابة السردية، عزز في الوقت نفسه نفس الأدب السجني، خاصة أن جل السرود انبنت على وعي سياسي اختلافي ومغاير.
في رواية "دليل العنفوان" لعبد القادر الشاوي، وغيرها من سروده، تتم الإشارة إلى وجع الذاكرة، باعتباره خالقا للمحكي، ويبرز في مستويات لغوية وخطابية ودلالية جد متميزة، تأتي على الشكل التالي:
- "تجربة تذكرني دائما بوجع وضجر، لأنني بقيت تلك الليلة على توتر لا يغتفر لذوي الذوات المحرومة مثلي"[8].
- "لسوف أذكر الآن تاريخا يعبق بشذى الأويقات الحالمة[9].
- "كان من المفروض في الفقرة السابقة، أن أعود بك إلى الوراء"[10].
- "الفترة وأناأكتب هذا، محدودة، في منطقة من ألياف الذاكرة المصونة"[11]
- "أما الذكريات فشهوة الحكاية،لا تجد من لا يتماهي فيها مع الحياة الماضية...إلا من كان صغيرا حافيا لم يكتو أيامها بشواظ الإكتشاف اللابد على الصدور."[12]
- "لا يمكن أن أفكر في مصطفى بعيدا عن الدرب، لم يكن فيه اللقاء الأول فقط، بل الأخير كذلك، أعني أن الأبعاد التي صارت للعلاقة التي قامت بيننا مع الوقت كانت، في الواقع، جزءا من الماضي والذكريات المشتركة، المشتركة في الحدود الضيقة الممكنة، من المكان نفسه، المكان المأهول بالحركة والصراخ"[13]
- "إني لا أذكر شيئا إلا تاريخ الخروج، أتعرف متى؟"[14].
هذه المقتطفات التي اجتزأناها من سردياته، تثبت لنا مدى حضور تلك المرآوية التي تؤثث فضاءات الأسى والحزن في الرواية أو السيرة، وبالتالي تلزم السارد الناطق بضمير المتكلم على العودة إلى ذاته وربطها بتاريخها الثقافي والسياسي، حيث لا مكان للمعاناة خارجها، فالنص هو الذات، وهما معا مساهمان في رحلة باطنية تلتصق بالسياق السوسيو-ثقافي من خلال المحتوى وشروط الإنتاج معا[15]، ومهما تم الدمج بين الذاتي والتخييلي من هذا المنطلق، فإن صورة الذات تبقى مهيمنة على باقي الصور الأخرى، خاصة إذا كان عمقها يتواشج فيه الزمان والمكان وتوالد الأحداث، فالكتابة السردية هنا هي أشبه بسيرة ذاتية، تلخص مراحل حياتية متنوعة ومهمة، لكنها بعض المرات تبدو غير منظمة،" مازلت تتعثر في الماضي. إن الماضي أمامك وخلفك وفي أنحاء من خلاياك، هاجع كأنما دوخته شمس أبدية، ولست أبدا، لا في الطفولة المنتقاة... شروخ في البدن، أوار في البدن، خيلاء وحكي مستعر"[16] هذا الإحساس برزء الماضي وخيبته، والشعور بمدى وضراوة تحمل استعادته يجعلان من سردية الذات ومن كينونتها الفردية كلية، على الرغم من أوجاعها وتقطعاتها، وبذلك فهي إنتاج للوعي ومنتوج له في نفس الآن[17].
يمكن أن نقول بأن طرح عبد القادر الشاوي لتيمة السجن في كتابته السردية، لم يأت هكذا بدون معيش أو معاناة، بل كان جزءا من واقع تجسد في أسئلة لم يتم الحسم فيها ومرتبطة بمحاولة ترميم الوعي لمرحلة، وبذلك فاسترداده للذاكرة هو تأصيل لرؤية عميقة ، وهي تسافر في الذات نحو أقاصيها، إنها "رحلة تستعمل معطيات فضاء مهمش، منسي، وأشخاص يختنقون في متاهة الحاضر، لتؤكد على أهمية الكتابة كوسيلة للتخلص من غبار الزمن المتراكم على سطح الذكراة، كل المغريات تدفع إلى النسيان وحذف الأسئلة لكن الهوية في العمق مهددة بالتلاشي"[18].
فضاء السجن عين السارد
حقيقة أن السجن كفضاء في السرد الروائي العربي عامة والمغربي خاصة، خلق تحولا نوعيا في التعامل مع مرحلة كانت على أشدها أكثر شراسة واحتقانا، ولعل هذا التمثل عند الروائيين أظفى مسحة من الواقعية على أسئلة المجتمع ومثقفيه، إذ أن السرد أثار جملة من الإشكالات التي كانت مغيبة، ويستعصي نقاشها، وهو ما دفع بالذين عاشوا مرارة السجن أن يفجروا هذا المحرم ويفضحوا مكبوته، وبالتالي يقومون بتعرية سوءاته وإظهارها جلية، وهكذا" يقوم السارد بفضح كتابته أيضا باعتبارها "كذبا" سرديا و "فنتازيا" حكائية، عبر اللجوء الفضحي لمجموعة من الأساليب واللجوءات السرية الأخرى"[19]، وسوف لن يتم الإكتفاء بهذا فقط، بل سيذهب الكاتب بصحبة السارد إلى أبعد من المعاناة، موثقا بذلك تاريخ العذاب داخل السجن، وراسما هندسة القمع ضمن صورة اختزلتها المؤسسات القامعة في القتل والاغتيال والتعذيب والنفي والتنكيل والإقصاء، لذلك نلحظ أن فضاء السجن كان في جل الروايات التي اهتمت بالموضوع عينا دقيقة للسارد، وهي في الأصل للكاتب الذي عاش محرقها وعانى من ويلاته.
ولقراءة هذه الصور، يمكن أن نشير بدقة إلى رواية "الساحة الشرفية" التي تعتبر من أهم الروايات المغربية المهتمة بالسجن في شموليته وفي تعدديته، وهكذا نلحظ ذلك على الشكل التالي:
- "الاعتقالات التي ستؤلف بين قلوبنا داخل السجن"[20]
- "تأخر كثيرا عن الموعد الذي ضربه لنا في السجن: "لن أعود أبدا، وسترون بعد الخروج"[21].
-"كذلك كان متاعنا الحقير، متاع أولئك الذين أمضوا في السجن"[22]

-"....لكن السجن لا يتبدل، الوجود داخل السجن لا يتبدل..."[23]
-"...وإذا تاقت نفسه إلى الإشراقة في الليل السجني الثقيل قصد (قاعة التلفزة للترويح)"[24]
-"وفي السجن رأيته مجرد الوجه: أنف دقيق بعض الشيء يعكس، كما توقعت منه اليوم الأول، طبعا حادا لا يعرف المراوغة"[25].
-"سنوات تمضي وأخرى تجيء دون أن يغتر الذين كانوا في السجن وقتذاك لأتفه الأسباب أن شيئا في البلاد قد تغير"[26]
-"قلت لها ذات يوم بأن السجن يحول عواطف الرجل إلى "امرأة" "وادعة"[27].
-"في الزنزانة حالة من الاختناق الممزوجة بالرائحة التي كانت تفوح من المرحاض كلما تنفس المجرى"[28]
-"ولما دخلت بنا السيارة العسكرية إلى فضاء عار قيل لنا إنها الساحة الشرفية، وسنعرف فيها بعد أن الساحة الشرفية هي المكان الذي يستوي فيه العلم الوطني، ومنها تتفرع الطرقات والاتجاهات نحو أحياء السجن المترامية"[29].
-"السجن طفولة الماضي وحصن الذكريات"[30]
إن السجن من هذا المنظور، يصبح فضاء تتقابل فيه شتى صنوف الأوجاع والمعاناة، وهو هنا مواز للداخل بالنسبة للذات الكاتبة والمنكتبة وخارجها كما أسلفنا، في حين أن عين السارد وهي تلتقط تفاصيل المكان لجعله يشذ عن صورته الأولى، فمن توصيف للعلاقة بينه والتمثل الواقعي أو الذهني أو المجرد، إلى ربطه بالأسئلة السياسية والثقافية، والمعارك الاجتماعية وغيرها، وتختلف معطيات السارد حسب اختلاف باقي الشخصيات الأخرى ، و"في هذه الفترة كان إدريس العمراوي منهارا، وكان مصطفى درويش خائنا، وعبد العزيز صابر فردانيا ذاتيا ملعونا، فلا هو بالخائن لأنه لم يكن قائدا، ولا هو بالمنهار، ... أما أحمد الريفي فكان عدميا لم يجد له حمدان صفة غيرها: "[31] ذلك أن السارد وهو يسرد بضمير المتكلم، لا يألو جهداعندما يستعيد صورته وصور الآخرين داخل السجن، ويعمق هذه العلاقة بواسطة استحضاره لنصوص غائبة يتفاعل من خلالها مع المكان" سمع المقرئ خلفه يردد "وترى الأرض هامدة، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج" ربما كان يضيف وهو يبتعد قليلا "له ما في السماوات وما في الأرض"[32] أو "تذكر المعري وقال معه: خفف الوطء ما أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد"[33]، فالفضاء السجني يختزل الصورة الوجودية للسارد، وفي نفس الوقت يستثمرها ليشكل ذاته ويهندس خلاياها وتمظهراتها، وبالتالي تبرز كمدونة توثيقية لأهم المراحل السجنية.
وفضاء السجن في الرواية، هو فضاء مغلق على ذاته، وكلما كان ينفتح إلا ويحكم استغلاقه من طرف مؤشرات وعلامات المكان، بحيث لا يكاد تظهر فيه فجوة إلا وتنسد فتحل محلها غيابات والتباسات"، في الدرب تعودت على صورة إدريس خلف العصابة التي كانت تغطي عينيه بحكم الحوار. لعله كان يراني على نفس الهيئة فأبدو له على نحو ما كان يتصورني عليه. أنا الشبيه تقريبا، على الأقل بتلك العصابة التي كانت تحزم عيني"[34] وفي اللغة أيضا نحس بهذا من خلال قول الحارس الإدريس العمراوي "إيوانعاس لمك"[35]، وكم مرة سمعت إدريس يقول للحارس هذا "نوض نبول الحاج؟ فيقول الحاج: نوض تبول. وأحيانا لا يقول شيئا[36]، هكذا نجد أن السارد وهو يروي الوقائع، يستثمر كافة عناصر الحكي، بل يلجأ أحيانا إلى الإيهام باختلاف خطابات الشخصيات واستخدام السخرية وتمثل التقنيات الحديثة كالحذف والاسترجاع والتمويه والتقطيع.

خاتمــــة:
هذه قراءة أولية لسرد عبد القادر الشاوي السجني، تحاول أن تستعيد معه بعض الأسئلة التي راهن عليها ثقافيا وسياسيا، لكنها اختزلت في إنتاجات إبداعية عوضته عن ذلك كل المراحل التي شكلت له تجربة أدب السجون، وبالتالي جعلته ذاكرة حية ومرجعا له أهلية مخصوصة بالنسبة لهذا المنحى.

إحالات وهوامش :

[1] - عبد الرحيم العلام . الذات والكتابة قراءة في دليل العنفوان لعبد القادر الشاوي.مقدمات .عدد.13 .-1998 .البيضاء .ص87 .
[2] - عبد القادر الشاوي . دليل العنفوان . الفنك الطبعة 1 البيضاء.
[3] - نفسه، ص13.
[4] - عبد القادر الشاوي، الساحة الشرفية .الفنك. 1999. البيضاء. ص5.
[5] - عبد القادر الشاوي. باب تازة . منشورات الموجة . الطبعة الأولى . 1994. الرباط . ص7.
[6] - محمد برادة. نص مواز على ظهر غلاف رواية "دليل العنفوان" مرجع سابق.
[7] - سعيد يقطين، الرواية العربية، من التراث إلى العصر (من أجل رواية تفاعلية عربية) علامات، المغرب، العدد 20. 2003 ص40.
[8] - عبد القادر الشاوي، دليل العنفوان، مرجع سابق، ص27.
[9] - نفسه، ص66.
[10] - نفسه، ص92.
[11] - نفسه، ص96.
[12] - عبد القادر الشاوي، الساحة الشرفية. نشر الفنك . البيضاء المغرب، 1999، ص24.
[13] - نفسه، ص ص 154-155.
[14] - عبد القادر الشاوي، باب تازة، منشورات الموجة،مرجع سابق . ص10.
[15] - Hana Jechova et jaques voisine. Les voyageurs devant l’événement révolutionnaire. Cahier d’Histoire Littéraire comparée. N° 5-6 Imprimerie Centrale de L’Artois 1981. P113.
[16] - عبد القادر الشاوي، دليل العنفوان، مرجع سابق . ص75.
[17] - Géorgegusdorf. Auto-bio graphie, Edition odile Jacob 1991 Paris P42.. نقلا عن عبد القادر الشاوي مقدمات .عدد مزدوج 13- 14 صيف خريف 1998. ص54.
[18] - عبد القادر الشاوي، باب تازة،مرجع سابق، انظر المكتوب على ظهر غلاف الرواية كنص مواز.
[19] - عبد الرحيم العلام، الذات والكتابة ... مرجع سابق . ص89.
[20] - عبد القادر الشاوي، الساحة الشرفية، مرجع سابق . ص95.
[21] - نفسه، ص98.
[22] - نفسه، ص99.
[23] - نفسه، ص101.
[24] - نفسه، ص109.
[25] - نفسه، ص111.
[26] - نفسه، ص ص120-121.
[27] - نفسه، ص132.
[28] - نفسه، ص154.
[29] - نفسه، ص182.
[30] - نفسه، ص106.
[31] - نفسه، ص106.
[32] - نفسه، ص228.
[33] - نفسه، ص229.
[34] - نفسه، ص110
[35] - نفسه، ص110.
[36] - نفسه، نفس الصفحة.